ذكرى وفاة نجيب محفوظ .. بدأ موظفا بالجامعة والعقاد تنبأ بفوزه بنوبل
من بين الأدباء الذين صنعوا ثقافة هذا الزمان، هناك من استطاع أن يخلق فكره وفكر زمنه والأزمنة السابقة واللاحقة عليه، وهو النجيب نجيب محفوظ، الذي لعب الدور الأعظم في مسرحية التاريخ، فإذا كان من عاصروه اتسموا ببراعة الأديب الفذ، فإنه كان كل الأدباء في أديب واحد.
ميلاد محفوظ
ومنذ ميلاده في 11 ديسمبر 1911، تكونت الرؤية المحفوظية للعالم، ونمت وتطورت مع نمو وعيه، التي تشكلت انطلاقًا من بيت أبيه في بيت القاضي، وتبلورت معه وهو في التاسعة من عمره حين انتقل لبيت حي العباسية، لينتقل الفكر مع الجسد، ويكشف أمامه معنى فكرة التناقض الاجتماعي والثقافي.
أما في داخل البيتين فتكونت رؤيته للوجود، من قبل أم مؤمنة حق الإيمان، بأن الجميع أبناء الله، وأب ملتزم أكسبه معنى التضحية.
الفلسفة المحفوظية
مع إلتحاق نجيب محفوظ بقسم الفلسفة في كلية الآداب اكتمل الوعي وزاد، ليتخرج فيها 1934، ويعمل موظفًا في الجامعة ثم وزارة الأوقاف، وتخرج فلسفته الأدبية إلى النور، في ربوع مصر من مكتبه في الوزارة والمقهى والحارة، الذين غلفوا فكره بالإيمان والتاريخ والوطنية الوفدية.
عبث الأقدار وأخريات
ويمكن القول أن كل ما سبق، رغم أنه ساعد محفوظ على كتابة الرواية التاريخية، التي تجسدت في عبث الأقدار، وما تلاها، إلا أنه السبب نفسه في هجره لها، وانتقاله إلى الواقعية النقدية، التي تبدأ مع انتهاء بداية ونهاية، وتنتهي مع بداية الثلاثية.
لكن عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية نجد أنفسنا أمام بناء روائي جديد وضعه نجيب محفوظ في أعماله، هدفه الأول الفرد، الذي يحلم برفعة المعيشة، ليمنح قارئه البعد النفسي والفكري، وهو ما ظهر في رواية أولاد حارتنا، واستمرت معه.
نبوءة قديمة
إن أسلوب نجيب محفوظ الأدبي الفلسفي هو ما جعله يصل للعالمية، وهو أيضًا ما جعل العقاد يتنبأ بذلك، فقبل ربع قرن من حصوله على نوبل، قال العقاد في حوار تليفزيوني أجراه : عندنا فى مصر من يستحق الفوز بجائزة نوبل وهو نجيب محفوظ.
مفارقات محفوظية
من المفارقات التي نجدها ليست عجيبة حول نجيب محفوظ أن روايته القاهرة الجديدة منعت أكثر من مرة من معالجتها فنيا وتقديمها على الشاشة، ورغم تعيينه رقيبًا على المصنفات الفنية لمدة 3 سنوات، إلا أن رفض فكرة تحويل الرواية إلى فيلم، وعندما عرض عليه صلاح أبو سيف الفكرة رفضها وقال : أخلاقى تمنعنى من الموافقة على أمر يخصنى سبق وتم رفضه.
وفاة محفوظ
ظلت أعمال نجيب محفوظ الأدبية والفنية هي الأكثر قبولًا لدى الجمهور والقراء، رغم كونها الأكثر جرأة وجدلًا، وهو ما عرضه لمحاولة اغتيال، لكنها باءت بالفشل، لتؤثر على صحته ويرحل عن عالمنا في مثل يومنا هذا 30 أغسطس من عام 2006.