جينا الريحاني تحكي عن قصة الألم والفراق والموت في حياة نجيب الريحاني
رغم مرور 131 عاماً على ميلاده، و71 عاماً على وفاته، إلا أننا لازلنا نتذكره ونبحث عن أخباره، وما زالت أعماله تحظى بالقبول، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على أنه ترك بصمة عميقة التأثير في الكوميديا، نتحدث عن «زعيم المسرح الفكاهي» نجيب الريحاني، الذى أضحكنا من قلوبنا وكنا نحتفل بذكري ميلاده أمس.
في ذكرى ميلاده فتحت ابنته الوحيدة جينا ملفاته السرية لتروى قائلة : حياته لم تكن سعيدة على الإطلاق، ولكي يظهر مبتسماً ويقدم ما يُضحك الناس عانى الكثير، وكان الفراق في حياته متكرراً، وكانت بدايته عندما توفى والده وهو في سن صغيرة، وكان مرتبطاً به بدرجة كبيرة للغاية، بعدها اضطر للنزول والعمل بالبنك الزراعي وترك التعليم، ثم دخل مجال التمثيل حين تعرف على عزيز عيد خريج المسرح، والذى كان يعمل معه في البنك، ولم يمض وقت طويل حتى بدأت الصداقة بينهما، وإنضم الريحاني إلى فرقة عبدالعزيز، ولتغيبهما المستمر عن البنك بسبب التمثيل تم فصلهما ليعتبرها إشارة إلى أن قدره هو التمثيل، وطوال حياته كان يصرف على فنه ولم يصرف عليه فنه.
تضيف جينا : جاءت الصدمة الثانية والفراق الأصعب، عام 1915 حين اختفى فجأة وبدون أي مقدمات أخوه الذي يصغره بثمانى سنوات، ظل يبحث عنه سنوات وسنوات ولم يجدي البحث نفعاً، وحتى يوم وفاته لم يره مرة أخرى، كان ارتباطه به قوياً جداً وكان فراقه بمثابة قصمة ظهر له، ولكنه حاول ثانيةً أن يهتم بعشقه الأول وهو التمثيل لتعويض ما حدث، فقرر تأجير مسرحاً لعرض مسرحياته عليه وذهب للاتفاق مع مالكة المسرح، فطلبت منه مقابل الإيجار مبلغ 2000 جنيه وكان مبلغ كبير جداً وقتها، ولكنه لم يكن يملك المبلغ كاملاً فطلب منها أن يعطيها نصفه ويكتب كمبيالات بباقي المبلغ، إلا أنها رفضت وأخرجت له كمبيالة عليها إمضاء الملك فؤاد تفيد بأنه مدين لها بمبلغ لم تستطع تحصيله منه حتى وقتهم ذاك، فكانت الضغوطات المادية عليه قاسية.
وعن قصة حب الريحاني مع والدتها قالت جينا : عندما قابل والدتي أحبها حباً شديداً وصل إلى حد العشق، كان يقول هي نور حياتي، فتزوجها عام 1917 وعاشا معاً حياة سعيدة لمدة ثلاث سنوات، إلى أن عاد يخيم الفراق على حياته من جديد، عندما تركته فجأة عام 1920 ولم يعلم أين ذهبت، اختفت من حياته بسبب الغيرة الشديدة وعلاقاته النسائية المتعددة بالرغم من حبه لها، لقد بحث عنها كثيراً ولم يجدها فدخل في حالة أشبه بالإكتئاب».
واستكملت: عاد والدي للتمثيل مرة أخرى لينسى آلامه فتعرف على الراقصة الاستعراضية اللبنانية «بديعة مصابني»، ورغم أنه لم يكن يحبها إلا أنه تزوجها .. لقد كان زواجاً تغلب عليه المصلحة المشتركة، حيث كانت تعمل لديه بالمسرح وكانت الأمور الفنية في مصر غير مستقرة وكان يخسر كثيراً، فعرضت عليه السفر إلى بيروت والعمل معها ولكن بشرط أن يتزوجها، بالفعل تزوجا عام 1923 وكونا ثنائي قوي على الصعيد الفني، لكن بعد زمن وكثير من المشاكل قررا الانفصال، ليصطدم بالفراق مرة أخرى بوفاة والدته والتي عاشت أعواماً من الحزن على فراق أخيه، وحزن عليها حزناً شديداً خاصة بسبب ارتباطه بها لأنها هي من ربته بعد فقدانه لأبيه.
تضيف جينا : عاد والدى من بيروت وقابل والدتي في فرنسا صدفةً عام 1936 ليكملا حياتهما معاً، وجئت أنا للدنيا، ولكن بسبب القوانين الألمانية التي تمنع زواج الألماني لأي جنسية أخرى في ذلك الزمن سجلت الوثائق زواج أمي لرجل ألماني آخر، ليُكتب أيضاً عليه الفراق ببعدي وبعد أمي عنه طيلة الوقت، فلو كانت علمت بديعة مصابني بعودة أبي وأمي لبعضهما، لكانت أبلغت السلطات الألمانية، ولكننا كنا نعيش في مكان وهو في مكان آخر، ولكي نجتمع حاول أن يخلق فرصة لتجمعنا معا، وفعلا سافرنا ثلاثتنا إلى الأقصر عام 1947 لنعيش سوياً لفترة قصيرة.
وعن وصيته قالت جينا : كانت وصيته الدائمة لي أن أكون حنونة، خيرة، أعامل الناس باللين والود، وأن أحب كل الناس، وفى أيامه الأخيرة اشتد عليه المرض حيث أصيب بالتيفوئيد، الذي دمر قلبه ورئتيه، وكان الأطباء يشددون عليه بعدم العمل والإقلاع عن التدخين، ولكنه كان يقول : لن أترك التمثيل سأموت على المسرح ولن أترك التمثيل، وزاد المرض أكثر حتى توفى عام 1949 وذلك أثناء تصويره لآخر مشاهد فيلم «غزل البنات»، والذي عرض بعد شهر من وفاته، وعندما كان بفراش المرض قال راثياً نفسه: مات نجيب، مات الرجُل الذي اشتكى منهُ طوب الأرض وطوب السَّماء إذا كان للسماء طوب، مات نجيب الذي لا يُعجبه العجب ولا الصيام في رجب، مات الرجُل الذي لا يعرفُ إلَّا الصراحه في زمن النفاق، ولم يعرف إلا البحبوحة في زمن البُخل والشُّح.. مات الريحاني في 60 ألف سلامة، في ذلك الوقت كان ميسور الحال حيث قدم أكثر من مسرحية ناجحة، وأمر ببناء قصر وتبرع به بعد وفاته ليكون مأوى للممثلين المتقاعدين، لينهي حياته بعمل خير.
وبعيدا عن والدها أعربت جينا الريحاني عن رغبتها في تقديم برنامج تروى خلاله سيرة والدها الذاتية، ليتعلم الشباب من خلاله التقاليد التي علمها الريحانى إياها، وحتى تذكرهم بعملاق الكوميديا ومواقفه وأعماله، خاصة أنها تقابل بعض الأطفال لا يعرفون من هو نجيب الريحاني.