عمرو دياب في مقال لم يتكرر منذ 15 عامًا : هل فعلاً الحكاية سهلة خالص؟
خاض عمرو دياب تجربة كتابة المقالات الصحفية مرة واحدة في حياته ولم يكررها، وذلك بدعوة من الكاتب إبراهيم عيسى، في عام 2006، وبالتحديد في عدد جريدة الدستور الصادر في 11 يناير، حينما كان يتولى عيسى رئاسة تحريرها، والتي كان يرأس مجلس إدارتها عصام إسماعيل فهمي.
ويبدو أن الهضبة عاني في كتابة مقاله، وهو ما جعله لم يُقدم على تكرار التجربة في العام التالي، كما وعد جمهوره في نهاية مقاله، الذي اختار له عنوان : عن الأجيال القادمة والنماذج المشوهة .. هل فعلا الحكاية سهلة خالص؟!
وكتب الهضبة قائلاً : كل سنة وأنت طيب عزيزي القارئ، عندما طلب مني الصديق العزيز إبراهيم عيسي أن أكتب مقالا بمناسبة العام الجديد. الحقيقة احترت كيف أواجه الناس من خلال ورق الصحف وانا الذي اعتدت أن أقابلهم وجها لوجه، يسمعون صوتي وأعشق ابتساماتهم. هل يحل حبر الصحف محل دفء الصوت؟، هل سيشعر القارئ بأحاسيسي وانفعالاتي ويصدق كلماتي؟، دارت هذه الأسئلة ف رأسي عندما هممت بكتابة المقال. أمسكت بالقلم ونظرت إلى كومة الأوراق المكدسة أمامي، لامس سن القلم الورقة .. ماذا اكتب .. عن الفن أم السياسة أم الرياضة أم الصحافة والحب؟.
رن جرس التلفون أخرجني صديق من حيرتي. مهموم ليه يا عمرو؟.. أبداً بفكر أكتب مقال .. طب وأيه المشكلة؟.. مش عارف أختار الموضوع، يا عم اكتب في أي حاجة وخلاص الكلام كتير والعملية سهلة خالص!.
عدت أمس بالقلم والورقة .. دوت كلمات الصديق في أذني : العملية سهلة خالص، وجدتني أسأل نفسي : ليه كل حاجة بقت سهلة عند الناس؟، الكتابة فن ترتيب الكلمات والغناء فن تنغيم الكلمات .. المفردات واحدة لكن شتان في الأسلوب، الكاتب يحبس مشاعره داخل حبر القلم، بينما الفنان يفضحها لدنيا .. نعم الغاية واحدة الاثنان يهدفان لتحريك أحاسيس الناس وتوجيه عقولهم وقلوبهم لكن من اعتاد الكتابة يصعب أن يحترف الغناء والعكس صحيح.
إذن العملية صعبة تحتاج لتحديد الفكرة ثم اختيار الكلمات المناسبة التي تعكس الأفكار وتترجم الأحاسيس وتُقنع العقول وتأتي على هوى القلوب، ثم تنظيم هذه الكلمات ووضعها في جمل سهلة الأسلوب .. إلخ.
الحكاية تحتاج لدراسة ومتابعة وخبرة طويلة تمتد لسنوات من القراءة والكتابة، وتحتاج أيضا لموقف واضح ورأي حاسم يحترمه ويقدره الناس.. إما هذا وإما ينصرف القراء عن الكاتب بل والصحيفة نفسها.
وعاد السؤال بصورة أخرى إلى متى تستمر حالة الاستستهال التي أصابت بعض المصريين في السنوات الأخيرة؟، هل هي الثقة الزائدة بالنفس التي تجعل ممن لا يفهم في أمر ما خبيرا فيه، أم هي الرغبة في التكويش على كل شيء بما فيه حق الأجيال القادمة.. أبنائنا وأحفادنا؟.. على ماذا أربي ابني ؟ .. هل أقول له لا تفعل شيئا قبل أن تقوم بدراسته وبحثه والفكير جيدا في توابعه، أم أقول له العملية سهلة خالص؟، هل أقول له لا تعمل إلا فيما تفهم ولن تفهم إلا إذا تعلمت ودرست وعشت لعملك أيا كان .. أم أقول له أنظر حولك وافعل كما يفعلون.. يعملون فيما لا يفهمون ويفهمون فيما لا يعلمون .. الحكاية سهلة خالص؟.
لقد ضرب الاستسهال نواحي عديدة في حياتنا .. هبط بالفن وأطاح بالسياسة وحطم الرياضة، لا جدال أنك قد تجد فنانا راقيا وساسيا عظيما وصحفيا محترما ورياضيا رائعا .. لكن بالتأكيد ستجد أمام كل هؤلاء عشرات ممن كان مفروضا أن يكونوا نجوما يخلدهم التاريخ وتحترمهم العقول لكن آفة الاستسهال أصابتهم وأودت بأحلامهم وهبطت بفنونهم.
لا نريد تحطيم الأجيال القادمة بالنماذج المكسورة المشوهة المهزوزة التي لا يجدون سواها .. نريد أن نقول لهم : النجاح كفاح والبقاء فوق القمة معركة يومية لا تعرف الاستسهال.
عموما أعتذر للقارئ الذي اعتاد أن يقرأ للكتاب المتخصصين عن محاولتي الفاشلة في أن أكتب مقالًا، حاولت فقط أن أبذل مجهودًا في الكتابة لعلني أكتب مقالًا أحسن من هذا في العام القادم 2007 إن شاء الله .. وكل سنة وانتم طيبين.