الشيخ المراغي .. تولى مشيخة الأزهر مرتين وتحدى الملك فاروق والإنجليز
تولى الشيخ محمد مصطفى المراغي مشيخة الأزهر مرتين الأولى عام 1928 وبعد عام قدم استقالته بسبب تقليص سلطات وصلاحيات شيخ الأزهر، وبعد استقالته قضى أكثر من خمس سنوات عاكفًا في بيته على البحث والدراسة ومراجعة آراء المصلحين من قبلُ، وبخاصَّة آراء أستاذه الإمام محمد عبده، كما راجع الأسس التي وضعها للإصلاح وما تَمَّ تحقيقُه منها، وما ينبغي تعديله، وذلك في ضوء دراساته العميقة للنهوض بالأزهر.
ثم عاد مرة ثانية عام 1935 إلى المشيخة وصدر في عهده القانون رقم 26 لسنة 1936، وألغى به القانونين الصادرين في سنة 1923 وفي سنة 1930، وقام بإنشاء لجنة الفتوى وقسمًا خاصًا للوعظ والإرشاد لنشر الثقافة الإسلامية في الأقاليم.
ولد الشيخ المراغي عام 1881، في مركز المراغة، محافظة سوهاج بصعيد مصر وينتهي نسبه الشريف إلى الحسين بن علي وفاطمة الزهراء بنت النبي محمد صلى الله وعليه وسلم، وتوفى في ليلة 14 رمضان 1364 هـ، الموافق 1945، وصلي عليه بالأزهر، وأجريت له المراسم الرسمية، وشُيِّعَ إلى مثواه الأخير في جنازة مهيبة حضرها العامة والخاصة من العلماء، ودُفِنَ ليكون بذلك الشيخ الثالث والثلاثين والخامس والثلاثين للجامع الأزهر للجامع الأزهر على المذهب الحنفي، وعلى عقيدة أهل السنة.
وتتلمذ الشيخ الجليل على يد الشيخ محمد عبده وتأثر بمدرسته الإصلاحية، حصل على الدرجة العالمية وهو في سن الـ24، واشتغل بالتدريس في الأزهر، ثم سافر إلى السودان وعين قاضيًا لمديرية دنقلة، ثم قاضيًا لمديرية الخرطوم، وفي عام 1907 قدم استقالته لخلافه مع قاضي القضاة والسكرتير القضائي في مسألة اختيار المفتشين بالمحاكم الشرعية.
وعُين عقب عودته للقاهرة، مفتشًا للدروس الدينية بديوان عموم وزارة الأوقاف، وفي عام 1908 عرض عليه منصب قاضي القضاة في السودان فاشترط لقبوله أن يتم التعيين بأمر من خديوي مصر وبالفعل صدر أمرًا بتعيينه، وعمل على النهوض بالقضاء والحفاظ على كرامة القضاة، غير أن السكرتير القضائي منحه إجازة لدوره في ثورة 1919، حيث قاد المصريين الموجودين بالسودان، ولمَّا اشتدَّت الثورة بمصر، والتفَّ المصريون بالسودان حول الشيخ الإمام، قاد جموعَهم في مظاهرة كبيرة، وأخذ يجمع التوقيعات لتأييد سعد زغلول لزعامة الأمَّة، ودعا كل مصري لأنْ يُسهم بما تجود به نفسه لتخفيف المصائب التي أنزلها الإنجليز بالشعب المصري، وكتبت «التايمز» البريطانية آنذاك: أبعدوا هذا الرجل، فإنه أخطر على بلادنا وحياتنا من ويلات الحرب.
وتدرج الإمام الراحل في المناصب فعين رئيسًا للتفتيش الشرعي بوزارة الحقانية، ثم رئيسًا لمحكمة مصر الكلية الشرعية، وخلال توليه رئاسة المحكمة العليا الشرعية عرض عليه أصحاب النفوذ مبلغ مالي مقابل إصدار حكمًا لصالح أحد الأشخاص غير أنه رفضه فقاموا بإلقائه بمادة كاوية وتم ضبط المتورطين.
وبعد أن طلق الملك فاروق زوجته الأولى الملكة فريدة عام 1945، طلب من «المراغي» إصدار فتوى تُحرم على الملكة فريدة الزواج مرة ثانية، لكن الأخير رفض، وأصر الملك على إصدار الفتوى ووصل به الأمر إلى زيارة الشيخ آنذاك خلال علاجه بمستشفى المواساة بالإسكندرية وقال الشيخ عبارته الشهيرة : «أما الطلاق فلا أرضاه، وأما التَّحريم فلا أملكه، وإنَّ المراغي لا يستطيع أن يُحرِّم ما أحل الله».