عبدالحليم محمود .. الرجل الذي وقف أمام السادات وأعاد لمنصب شيخ الأزهر هيبته
تولى الشيخ عبدالحليم محمود مشيخة الأزهر في ظروف بالغة الحرج، وأجبر الرئيس الراحل محمد أنور السادات على التراجع عن قراراته الخاصة بتقليص صلاحيات شيخ الأزهر الشريف، وذلك بعد مرور أكثر من 10 سنوات على صدور قانون الأزهر عام 1961، الذي توسع في التعليم المدني ومعاهده العليا، وألغى جماعة كبار العلماء، وقلص سلطات شيخ الأزهر، وغلّ يده في إدارة شئونه، وأعطاها لوزير الأوقاف وشئون الأزهر، وهو الأمر الذي عجّل بصدام عنيف بين محمود شلتوت شيخ الأزهر الذي صدر القانون في عهده وبين تلميذه الدكتور محمد البهي الذي كان يتولى منصب وزارة الأوقاف، وفشلت محاولات الشيخ الجليل في استرداد سلطاته، وإصلاح الأوضاع المقلوبة.
أثناء توليه لوزارة الأوقاف عني بالمساجد عناية كبيرة، فأنشأ عددا منها، وضم عددا كبيرا من المساجد الأهلية، وجدد المساجد التاريخية الكبرى مثل جامع عمرو بن العاص ثانى أقدم المساجد في إفريقيا بعد مسجد سادات قريش بمدينة بلبيس محافظة الشرقية، وأوكل الخطبة فيه إلى الشيخ محمد الغزالي فدبت فيه الروح، وعادت إليه الحياة بعد أن اغتالته يد الإهمال، وتدفقت إليه الجماهير من كل صوب وحدب، وأنشأ بمساجد الوزارة فصولا للتقوية ينتفع بها طلاب الشهادتين الإعدادية والثانوية جذبت آلافا من الطلاب إلى المساجد وربطتهم بشعائر دينهم الحنيف.
رأى الشيخ عبدالحليم محمود أن للوزارة أوقافاً ضخمة تدر ملايين الجنيهات أخذها الإصلاح الزراعي لإدارتها لحساب الوزارة، فلم تعد تدر إلا القليل، فاستردها من وزارة الإصلاح الزراعي، وأنشأ هيئة كبرى لإدارة هذه الأوقاف لتدر خيراتها من جديد، وعلم أن هناك أوقافاً عدت عليها يد الغصب أو النسيان، فعمل على استرداد المغتصب.
صدر قرار تعيين الشيخ عبدالحليم محمود شيخاً للأزهر في 27 مارس 1973، وكان هذا هو المكان الطبيعي الذي أعدته المقادير له، وما كاد الشيخ يمارس أعباء منصبه وينهض بدوره على خير وجه حتى بوغت بصدور قرار جديد من رئيس الجمهورية في 7 يوليو 1974، يكاد يجرد شيخ الأزهر مما تبقى له من اختصاصات ويمنحها لوزير الأوقاف والأزهر، وما كان من الشيخ إلا أن قدم استقالته لرئيس الجمهورية على الفور، معتبرا أن هذا القرار يغض من قدر المنصب الجليل ويعوقه عن أداء رسالته الروحية في مصر والعالم العربي والإسلامي.
للشيخ أكثر من 60 مؤلفاً في التصوف والفلسفة، بعضها بالفرنسية، ومن أشهر كتبه : أوروبا والإسلام، والتوحيد الخالص، والإسلام والعقل، وأسرار العبادات في الإسلام، والتفكير الفلسفي في الإسلام، والقرآن والنبي، والمدرسة الشاذلية الحديثة وإمامها أبو الحسن الشاذلي.
ولد الشيخ عبد الحليم محمود في 12 مايو 1910، بعزبة أبو أحمد قرية السلام مركز بلبيس بمحافظة الشرقية، ونشأ في أسرة مشهورة بالصلاح والتقوى، وكان أبوه ممن تعلم بالأزهر لكنه لم يكمل دراسته فيه، وحفظ القرآن الكريم ثم إلتحق بالأزهر سنة 1923، وحصل على العالمية عام 1932، ثم سافر إلى فرنسا على نفقته الخاصة لإستكمال تعليمه العالي حيث حصل على الدكتوراه في الفلسفة الإسلامية عن الحارث المحاسبي عام 1940، وبعد عودته عمل مدرساً لعلم النفس بكلية اللغة العربية بكليات الأزهر ثم عميدا لكلية أصول الدين عام 1964 وعضواً ثم أمينا عاما لمجمع البحوث الإسلامية فنهض به وأعاد تنظيمه عين وكيلا للأزهر سنة 1970 فوزيرا للأوقاف وشئون الأزهر.