رحلة ابن الأكابر عبدالفتاح القصري من القصور إلى الموت وحيداً في بدرون
من المستحيل أن يتخيل أحد أن هذا الكوميديان الذي أضحك الملايين حتى بعد وفاته، مر بأزمات ونكبات لم يتحملها بشر، لم يعلم أحد أنه كان يرسم البسمة على شفاه جماهيره، ويبكي وحيداً سراً، مر الكوميدان الكبير عبد الفتاح القصري في حياته بأهوال.
ابن الأكابر وحبه للفن
وفي ذكرى وفاته قد تواصل «خبر أبيض» مع ابنة شقيقه نجلاء القصري لنتعرف على الوجه الآخر لصانع الضحكة عبد الفتاح القصري، ورغم أنها لم تعاشره طويلاً وهناك الكثير من الأمور التي لم تكن على دراية بها، إلا أنها أكدت على أن حياته كانت على النقيض مما نراه على الشاشة فقالت : كان ابن الذوات المدلل الذي انتظرت قدومه العائلة بأكملها، فهذه العائلة قليلة الإنجاب، عاش حياة الترف بعائلة ثرية تعمل بتجارة الذهب، ودرس بمدرسة الفرير الفرنسية، كان دائم التشتت ما بين حبه لأولاد البلد الجدعان، وبين مخالطة الطبقة الراقية التي يفرض عليه والده مخالطتهم.
وأكملت : أحب القصري التمثيل وكان يتوق لاحترافه خاصة بعد أن تعرف على بعض الشخصيات التي تعمل بالمسرح، ولكن كان رد والده قاطعاً بالرفض،ومع إصراره على احتراف التمثيل قرر والده أن يزوجه، لتبدأ أولى محطات العذاب، حيث فشلت الزيجة بسبب عدم الإنجاب، لم يفقد القصري الأمل بل استمر في طريق الفن والنجومية، رغم رفض والده حتى غضب عليه والده وطرده من المنزل وحرمه من الميراث.
بداية احترافه للفن
وتقول نجلاء أنها قرأت عن أول دور كان بمثابة تذكرة مرور لعمها لعالم الكوميديا وتقص ما قرأته قائلةً: التحق بفرقة جورج أبيض وكان أول دور له مع الفرقة هو مسرحية «أوديب ملكاً» ولم تكن المسرحية كوميدية، كان يجسد جورج أبيض دور أوديب بينما جسد عمي دور العراف الكفيف، وبعد أن نطق أبيض بجملته الشهيرة، جاء رد عمي بمنتهى العفوية وخروجاً عن النص «واحسرتاه، أنا تقولي صه!!» وارتبك كل من على المسرح وسط أمواج غير متناهيةمن قهقهات الجمهور، وأغلق الستار ونهره أبيض بشدة حتى وصل الأمر أن صفعه جورج أبيض على وجهه ليدخل عمي في حالة اكتئاب ظناً منه أنه انتهى فنياً، إلا أن هذا الموقف والذي تناقلته الصحف الكبيرة كان تذكرة مرور له إلى عالم النجومية والشهرة في الكوميديا.
وأضافت : بعد هذا الموقف بعث له نجيب الريحاني لينضم إلى فرقته ويضعه على أول طريق النجومية، وبعيداً عن الفن رغم أنه كان الشئ الوحيد السعيد بحياته، بالنسبة لحياته الشخصية والنكبات التي أصابته، تزوج عمي ثلاث زيجات إلا أن كلها زيجات فاشلة بسبب عدم الإنجاب ظل يحلم بأن يكون له ابناً، حتى تبنى طفلاً رآه صدفةً بالطريق فأشفق عليه من البرد والتشرد، ولكن زوجته الثالثة رفضت وتركت له البيت، فتبناه بالفعل وظل يرعاه طيلة حياته وجعله ابنه الذي لم ينجبه.
بداية أزمته الصحية وفقدانه لبصره
واستكملت : بعد وفاة عمي محمد مرض عمي عبد الفتاح من شدة حزنه عليه حتى رقد بالمستشفى بحالة سيئة جداً وتعرف على ممرضة استطاعت خداعه بدعوى أنها أحبته، ونظراً لأنه قد حرم من هذا الحنان، وقع بسهولة في شباكها وتزوجها بالفعل، وظلت تنصب شباكها عليه ولطيبة قلبه كان يصدق كل ما تقوله حتى جعلته يكتب لها كل أملاكه، وما أن حدث هذا حتى تغيرت طباعها معه 180 درجة، وساءت معاملتها له.
أما عن فقدانه لنظره قالت : كان من أصعب أيامه فكان يقف على المسرح يقدم دوره بمسرحية مع اسماعيل ياسين وتحية كاريوكا، حتى صرخ قائلاً : «أنا مش شايف»، ظن الجمهور أنه ضمن الدور وانفجر ضاحكاً وظن ياسين أنه خروجاً عن النص كالمعروف به عمي، إلا أنه سرعان ما شعر أنها حقيقة فاصطحبه للكواليس وأنزل الستار، وبعد الكشف عليه تأكدوا أنه قد فقد بصره بسبب ارتفاع السكر.
مأساته مع زوجته
وأكملت : حزنت تحية كاريوكا والتي كانت تربطها به علاقة صداقة قوية واصطحبته لمنزله، حتى ترعاه زوجته، ولكن معاملتها له ازدادت سوء، حتى أجبرته على تطليقها وتزوجت من ابنه بالتبني حتى أنها أجبرته على التوقيع شاهداً على عقد الزواج وظلوا ثلاثتهم يعيشون بنفس المنزل، مما جعله يفقد عقله وذاكرته ويصاب بمرض شبيه بالزهايمر، فهو لم يحتمل الوضع فأصبح شبحاً وليس إنساناً، فقامت بحبسه في بدرون المنزل ومنعت عنه الطعام والزيارات، وكان يقف بالنافذة يشحذ من المارة الطعام والسجائر فالتقط له أحد المارة صورة وبعثها لإحدى المجلات والتي نشرت الوقعة فانكشفت جريمة طليقته.
واستكملت : نظم أصدقاؤه حملة تبرعت لجمع أكبر قدر من المال لشراء شقة له يعيش فيها مع عمتي الصغيرة، وخصصت له نقابة الممثلين مبلغ شهري قدره 10 جنيهات، وبعد فترة وجيزة فارق عمي دنيا الظلم إلى دار الحق.