من هي ليلى حبيبة حليم الوحيدة التي كتب مذكراته من أجلها في آخر أيامه؟
أقسم بالله العظيم .. يمين أُسأل عليه يوم القيامة أنني لم أحب واحدة من النساء مثلما أحببتها .. بتلك الكلمات بدأ حليم مذكراته والتي تروي تفاصيل قصة حبه الوحيدة، أطلق حليم عليها اسم ليلى لأن اسمها يجب أن يظل سراً بأعماقه وحده.
واستجمع العندليب كل صفات الحسن ليصفها بها كما رأتها عيناه فقال : كأنني ولدت يتيما حتى أولد في عينيها لتصبح أمي، كأني عزفت على الأبواق لتخرج هي من ألحانها، كأني حضرت إلى القاهرة لأعيش كل ما مضي من العمر لألتقي بها.
كان أول لقاء جمعهما بالإسكندرية بكابينة إحسان عبد القدوس حيث يجتمع كل أهل الفن، وحين وقعت عيناه عليها شعر بأن الحب قد قال كلمته الأخيرة وأنه سيظل طيلة حياته أسير لتلك العيون، طلب منها أن يتجولا معاً وقد كان، وهنا تأكد أن ما شعر به حقيقي، وقال عنها في مذكراته : كانت أجمل من الإنجليزيات، جمالها خارق للطبيعة، وكنت أحسبها عند رؤيتي لها في لندن إنها انجليزية، لكنها تكلمت بالعربية مع صديقة لها، وعندما التفت لأكلمها، اختفت، وها هي أمامي الآن.
جاء اللقاء الثاني عندما جمعهما حفل زفاف على سبيل الصدفة، وأول ما التقت العيون قال لها : وحشتيني جداً جداً جداً، وكأنها كانت تعلم فلم تتعجب، وبعد لحظة صمت قال حليم : أنتي عارفة إنهم بيحكوا لي إني كنت زمان وأنا صغير عمري سنتين مش باستريح إلا لواحدة بس هي عمتي زينب، كانت تُرضعني، وكنا أزحف من حارتنا في الحلوات لحارتهم، ومرة والدي دور عليّ في البلد كلها وجدني أزحف شوية وأمشي شوية، كنت رايح لزينب، أنتي عارفة أنا حسيت من شوية إني كنت باروح أدور عليكي.
ود حليم أن ينظر ليدها مستكشفاً ما إن كانت مرتبطة أو أن القدر سيسمح له بسعادة تشاركه به وقبل أن يفعل قالت إحدى صديقاتها : ده أحمد ناوي يقابل باباكي علشان يصالحك، ماهو كمان مش معقول يبقى عندكم ولدين وتتطلقوا، سيطر عليه الصمت أو بالأحرى الصدمة، إلا أن رد ليلى أشفى قلبه مجددا، حيث قالت : مش معقول كمان أفضل عايشة مع جنون غيرته، أنا مش عروسة حلاوة.
ظلت المقابلات السرية بينهما، بينما كانت هي تحاول جاهدة الحصول على حريتها من زواجها الذي دمر حياتها، وكانت شرط الزوج لحصولها على حريتها هو حرمانها من أبنائها، ذلك الطلب الذي جعل هموم الدنيا تتجمع بعينيها وعيني حليم، فغنى لها أغنية بتلوموني ليه؟، ولكن قلبه تعيساً لتعاستها فطلب منها أن تعود إلى زوجها حتى لا تفقد أبنائها وبعد مداولات عديدة انتهى الأمر بعودتها إلى زوجها وسفرها للخارج.
وذات يوم وفي إحدى سفريات العندليب قابلها صدفة في مطار أورلي، ودار بينهما حديثاً عادياً في مظهره منكسراً في باطنه، وتركها وعاد إلى القاهرة وإذا بها تتصل به وتخبره بانفصالها عن زوجها نهائياً وبدأت رحلتهما في تأثيث حياة جديدة وشراء مستلزمات المنزل الذي سيحتضن قصة حبهما، ولكن في إحدى المرات وأثناء تجولهما لشراء بعض مستلزمات العرس سقطت مغشية عليها.
وعلم حليم أنه فيروساً خطيراً تسلل إلى المخ سافر بها لعلاجها في دول أوربية عديدة، فغنى لها وقتها : في يوم في شهر في سنة، وفي مقطع منها قال : لو كان بإيدي أفضل جنبك، وأجيب لعمري ألف عمر وأحبك، إلا أن المرض ظل يفترسها، حتى جاء يوم الوداع وكأن القدر يأبى لقصة حبه الوحيدة أن تكتمل ورحلت حبيبة العمر.
ويقول حليم في مذكراته : أنا أمام الموت وأُصدق حكمة السماء الخالدة : ندخل الدنيا بلا اختيار، ونموت بلا اختيار، وبين الميلاد والموت نختار.
نجحت في اختيار طريقي كمغن، ولم أنجح في اختيار شريكة عمري لأن الموت تدخل.